الأحد، 21 سبتمبر 2014

بيسان لم تخلع خمارها

تدوينة للسيد حسن البنا عن الحجاب مهمه 

إن الله غيور يحب الغيور، وإن عُمر لغيور، صدق رسول الله، ورضي الله ورسوله عن عُمر.

 أدم يحب عمر حباً - أحب فيه رجولته وغيرته ورفقه وشدته ولينه، أحب فيه الشخصان، عمر المستبد وعمر الرفيق، عمر الرجل وعمر الطفل، عمر الإمام وعمر المجند، فكان لعمر مكانة خاصة في قلبه، لا يضاهيها من آل النبي وصحبه إلا علي وابنيه الحسين وعمه، فكان للخمس متبعاً، علي في الحكمة وعمر في التطبيق والحسين في الثورة وحمزة في العزة، والحسن في العفو.

كان أدم مع بيسان كعمر في بيته، يغضب قاسياً وينسى حانياً، عزيز على من سواه، ذليل تحت حبيبته، وقد كان غيور.

تعلو ضحكة بيسان المشاغبة، فيسارع إلى ترويضها، تهرب خصلة الشعر من حجرها، فتجد أصابعه لها بالمرصاد، بالرفق والحنا ترد الشعيرات المارقة إلى حجرها، كان يغار إذ تضحك وإذ تلعب، كانت إذا فارقته عيناها إلى عيون أُخر يفقد التوازن يرتبك، حتى يرد الصراط ما بين أعينهما مستقيماً.

فإذا اختلى بنفسه، أخبرها بالهوادة على بيسان، فإنه يشفق عليها من غيرته، كانت بيسان تعشق هذه الغيرة فوق عشقها إياه، إلا إنها منه، إلا إنها أرهقتها، فالحال معه كل شيء بمقدار، وكل شيء بكيفية، الضحك والكلام بمقدار، والجلسة والنظر بكيف وكم، حتى المرواح والمجيء.
هكذا حال من أحب طفلاً !!

قالت بيسان إذ هي بين ذراعيه، يحنو على شعرها بيديه، فيشعر في أصابعه بانشاء شعرها، كم أردت يا أدم لو أن الهواء يمر بين شعري فيرقص كما يرقص الآن، فلم يجبها بادية آثار الرفض على وجهه، فقالت له يا آدم، ألم تخبرني يوماً أن الله ما خلقنا ليقيدنا، فقال نعم، قالت فإن الحجاب قيد، قال نعم، قالت فلماذا فرضه الله علينا، فسكت قليلاً ثم قال لأنه فيه مصلحتكن، وبعض الصحيح يبدو في ظاهره القيد، والخمر على ذلك مثل، قيدنا الله ومنعنا منها، حفظاً للعقول، وصيانةً للأبدان.

تغير الحديث بحكم الظرف الذي نادراً ما يتكرر، فلا مجال لإضاعة الوقت وهي بين ذراعيه في غير الشعور، بينما الحديث في الفقه والشرع والفكر متاح في كل وقت.

أدم فكرياً ينتمي إلى مدرسة روح النص، ومذهبياً إلى المذهب الموضوعي، والروح هي الدلالة والغاية والعلة، بينما النص هو الكلمات، فلا كلمات معتبرة بغير روح، ولا الروح متروكة للرأي مطلقة فتصير هوىً لكل عابث، والموضعية هي التجرد من المواقف المبدأية عند البحث والإستسلام للعلم ولشارعه.

لم يتجاهل أدم ما أحسته بيسان من القيد، وأن تعبد الله وهي كارهة، فالأمر على قلبه ثقيل، خاصة حين يكون لا يدري علة هذه العبادة، وهو الذي قدم المخالفة في الخطأ، على التقليد في الصواب، فذهب إلى كتاب الله يطلب هدىً وإلى سنة نبيه فيتبين ما في الكتاب، ثم إلى وجهات النظر في الأمر فيضرب بعضها ببعض، فكان الأمر صاعقاً.

كان البحث فعلاً صدمةً ضاربة أربكته في دينه !! حتى أصابه الغثيان وهم بالتقيؤ !!

كان مصدر الغثيان أن امرأة تسأل شيخاً معروفاً ذا صيت، "أن كانت منتقبه بالنقاب المشهور والذي تظهر منه العينان بوضوح، حتى ذكرت لها صديقة أن ذلك لا يجوز، وأن عليها ألا تظهر إلا العين اليسرى !! أو أن تستر كلاهما فهذا أقرب للعفة والتقوى !! وبالفعل فعلت فاشتريت برقعاً غير الذي كان لا تبدوا منه عيناي، ولكنه أرهقني حتى أنني كنت لا أرى الأشياء بوضوح عوضاً عن الصداع الدائم الذي أصابني من نقص كمية الضوء التي تصل عيناي، فعدت إلى الصديقة تلك فقالت لك رخصة في النقاب ذو العين الواحدة، فاشتريت ثالثاً فكانت المعاناة أشد، فالصداع الدائم دام أكثر وسريعاً ضعف نظري فعين ترى وأخرى عمياء، واحدة في نور ساطع، وأخرى في ظلام دامس، حتى أصابني الدوار فالإغماء في الشارع، فذهبت للطبيب فأرشدني إلى خلع النقاب تماماً، فهل يجوز لي ذلك من باب الضرورة".

فجاء رد الشيخ "أختي الكريمة "ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" وستر الوجه فرض من الله، فاصبري واحتسبي لك الأجر والثواب، ولا تخرجي من بيتك فذلك مما نهى الشرع عنه،"وقرن في بيوتكن"، انتهى.

أحا يا شيخ يابن الـ ....، أحا يا مره يا متخلفة، ـخخخخخخخخـ
هكذا رد آدم.

وعزفت نفسه عن البحث، إلا أنه أراد أن يتحقق من دينه، فقد أوحى إليه من أوحى، أنه لو كان الإسلام كذلك، فما يحملك عليه يا ذا اللب ؟! فعاود بعد أيام الكرة.
المنهج كان صارماً أصولياً، ومباحثه " القرآن – السنة – اللغة – عمل الأمة – المنطق ".
وغاص في الفقه ثلاثاً والتراث لا يطفوا إلا بيديه ضالته.
(1)
قدس الله سر ثوبك أيتها المليحة، وصدق نبيه يقول كاسيات عاريات، يكسو الجميل إن شاء فيزداد حسناً، ويكشف إن شاء فيسر الناظرين، لا يغفل عن أنوثة إلا نطق بها مراوغاً سترة وسفورا، يستر في غير طمس ويسفر في غير جرح، فلا تنظر العين فتشبع، ولا تقدر فتعرض، والبين بين لذة وعناء.
تلمع الخلاخيل تدلل عن القدمين مخضبة بحمرة، فتلبي العين لا تستقر إلا وتسرقها الساق تعرى عنهما الثوب شبراً، فبشر بما ظهر ورغب بما منع، على سلم موسيقي من مستقرٍ لآخر تسرح بك الحناء داكنة السمرة متقنة الوشم، من “الدو” فصاعدا. ولكل ساق من فوق الشبر شرفة لا يظلماك فحسن مارأيت، ولا يسلماك إلا طامعاً بمزيد.
الفخذان يضيقا بالثوب ذرعاً يغبطان على السوق شرفتهم، لكن الحيلة قائمة، فلو عدما الشرفة لم يعدما الرسم، مدورتين ما للدرع أن يطفئ جذوتهما إلا أن تتقد نار الخاصرة والردفين كما عروس البحر في خرافة الأوائل.
 تدهش العين أي طريق الحسنيين تسلك، ءاردفان تنعطف على الظهر أهيف القوام، تتدلى عليه موجات الشعر هادئة تمتد إلى مادون الوركين وتنحسر، تبغي بخصلاتها متدللة عليه فيرد البغي بغياً ؟! أم الخاصرة والسوة إلى النهدين، وما لك في حضرتهما إلا حبس النفس هيبةً لا يخرج إلا بخروج أنفاس المليحة ولا يدخل إلا إذا أذنت.

وإنك لو سلكة طريقهما دون الردفين، لأرهقاك فلا تلبس تراوح العين بين حلمتين مدببتين تستشفهما بالخيال، إلا زاغت بك إلى وادي الجيب، والبال بك تتسلق خصلات الشعر تسبح في عكس موجه فيضربك إلى الظهر، لا تكد تصل تشم رائحة العطر فواحاً تتدفق زخاتها من وقع النبض من قنينته حيث الأذان، تقرع أقراطها الأجراس، فتهوي إلى الدرك، والشقاء في ذلك نعيم، ترمي بك الأنفاس من واد إلا واد، ولا نجاة إلا لمن استعصم من الحُسن بالحسن، وفر منه إليه.
 صحراء واسعة رملها الأبيض، يربوا بها العظم من كتف إلى كتف،  والمعدن البراق حليتها، نبراسها النحر والقرط، الثوب يعفو عن أغالبها فلم يعرف الدعة من لم يرى الصدر، فامعن النظر لا تعجل به، فإن العين في نظرها الطهر.
واحلل خفيفاً على الوجه تبتسم، لا يشغلنك  الثغر بدقته والأنف بحدتها عن عتبات الكحل كحيل تهديك إلى العين المقدسة وبراحها الساحر، فتتصل نفسك بالنفس المليحة، فيكون مثنى الأنفس واحد أحد، فلا سر إلا ومضفوح ولا ستر إلا ومكشوف وكل الكلم ومنطوق.

(2)
تبتسم العذراء من بيتها تنظر إلى المرآة، والأمة من خلفها تضع اللمسات الأخيرة تكمل بها تاج رأس المليحة على الطريقة الشامية، عِمَةٌ من حرير مصبغة بلون زرقة السماء أغمق قليلاً، تحيط الرأس هالةً كهالة البدر في ظلمة السماء، والشعر من تحتها تاج آخر، أسدلت الأمة عليه أطراف الخمار، دون أن تتصل أطراف الخمار بطرف الشعر.
(3)
تبتسم مرة أخرى، وفي بسمتها رضاء عما صنعته يد أمتها، فتسعد الأخيرة بإتمام مهمة سيدتها على الوجه الذي أرضاها، ثم تستأذنها فتأتي بالملائة، تريحها على كتفيها دون أن تدني شق الجلباب الأيمن إلى شقه الأيسر، برفق تمسك ذراع سيدتها لتمرره من كُم الجلباب فتأبى عليها ذلك، ولسان حالها ولماذا الحلي إذاً لو غطيناه بالجلباب ؟!
(4)
القوم عند النادي ينظرون أمورهم يحتد بهم المقال، فينقذ الخلخال الموقف فقط بضربة منه، ليعم السكوت المجلس، ويكون الاحتداد تهامساً، ثم تستكمل طريقها لحاجتها، فمن أسعفه الوقت فنظر غدى مجذوباً، ومن فاته فلا يلومن إلا نفسه.

(5)
الجاريات يريحون خلف السقيفة بعد أن انفض مجلس السادة وما في ألسنهن من كلام إلا عن القوم وقت أن مرت بهم فلانة، إحداهن جارية عراقية لها من الجمال وفرة وفي الحرية طمعاً، أخذتها الغيرة من المليحة، فزجرتهن وقالت، يوماً ما سأصير حرة سيدة، أمتلك سكناً وزوجاً سيداً وعبيداً، وسأمر على القوم في ثياب كاملة وحلي، لا أخرج حاسرة الرأس أبداً، فرددن هيهات.

عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي قال: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري، سنة ست وثمانين ومائتين، وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهرًا فأنكر:

 فقال القاضي: شهودك.
قال: قد أحضرتهم.

 فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي.
 فقال الزوج: تفعلون ماذا؟
 قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها.
 فقال الزوج: وإني أشهد القاضي أن لها عليَّ هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها.
 فردت المرأة -وأخبرت بما كان من زوجها- فقالت: فإني أشهد القاضي: أن قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة.
فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق.

عجيب أمر ذلك العربي يصل الأمر به مع زوجته إلى القاضي متهماً بأكل مالها، فهي لا ترده زوجاً وهو لا يردها، لكن إذا وصل الأمر أن ينظر أجنبي لوجهها نسي ما قدمت يداه ويداها فكان العفو منه ومنها !!
لكن العجب ينتفي لو رأيت الملثمين، والملثمين  قبائل كانت يغطي رجالها وجههم، فلا الرجل يرى وجه المرأة ولا وجه الرجل كذلك.


-        (  يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) الأعراف 26.

نعم إن اللباس فرض من الله في القرآن أن نزله، يواري سوءاتنا ويظهر محاسننا، وريشاً والريش يا حبيبتي هو زينة الطير ومصدر جماله، فلا صح قول قائل ألا يكون الثياب زينة في حد ذاته.

هذا خلاصة ما وصل إليه آدم من بحثه، يواري سوءاتكم .. وريشا.



-          (.. وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ..) النور 31.

وسبب النزول بأقوال المفسرين دون تصرف هو أن النساء كانوا إذا غطين رءوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النبط فتبقى النحور والأعناق  بادية فتمر المرأة بين بين الرجال مسفحة بصدرها ، لا يواريه شيء. فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب.

أدم يقلب كفاً على كف من شدة الغيظ بعد أن قرأ الآية وتفاسيرها وأسباب النزول والآثار المتعلقة بها، فيتسائل كيف لمن عقل أن تحدثه نفسه بأن الآية تلك دليل على فرضية خمار أو نقاب أو وصف لهيئة أي شيء من الزي، وعلة الآية ومقصدها قاطعة لا تقبل تأويلاً وهي ستر الجيوب، فما علاقة ذلك بالخمار السابق على الآية، أو هل لمجرد ذكره منسوباً إلى من كن يلبسنه أصبح من فرائض الإسلام تدخل فيه المرأة الجنة أو تخلد في الجحيم، أوهل يصير إذاً الجلباب فرضاً بهيئته لمجرد ذكره في آية الإدناء، والله إن جد عجيب.

وما ينطبق على الآية ينطبقى على الأحاديث التي وردت عن أم المؤمنين عائشة كشق المروط والاعتجار والرؤوس التي عليها الطير، فكلها أحاديث وصفية لا تقرر حكماً ولا تنفي فعلاً، بل أزيد أنه لو كان حديث الاعتجار يفيد حكماً لكان الحكم بنفي الفرضية لا إثباتها، فإلى نص الحديث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها ". وفي رواية نساء الأنصار وهو الأرجح لأن نساء المهاجرين كن مختمرات في الأصل.

وأول ما يفهم من هذا الحديث أن نساء الأنصار لم يكن يختمرن على الصفة التي كان يختمر بها نساء المهاجرين أو على الأرجح لم يكن ليختمرن أصلاً قبل نزول الآية.
ثاني الأمر وهو الأهم في موضوعنا أن السيدى عائشة رضي الله عنها ترحمت وذكرت النساء الأول وهذه إشارة صريحة بأن النساء اللائي تلونهن لم يتبعن سنتهن فلزم التمييز.

-          (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ .. ) الأحزاب 59.

والقطعي من سبب نزول هذه الآية كما اتفق المفسرون أن النساء كانت تخرج ليلاً لتقضي حاجتها فكان المنافقون يترصدوهن فإذا رأينهن بلا جلباب أو خمار علموا أنهن إماء فتحرشوا بهن، فالإماء كن لا يرتدين إلا الدرع في بروزهن، وإن كن مختمرات أو عليهن جلابيب خافوهن فلم يؤذونهن، والخوف من الحمية حمية الجاهلية، التي كانت لا تمنع الحر من الأمة ولا يغار عليها صاحبها.
والعجيب الذي لا تستسيغه النفس والمنطق أن اللذين يحملون الخمار على الفرضية للحرة دون الأمة يقرون في حملهم ذلك أن الإسلام أباح التحرش بالإماء، لذلك نزلت الآية لتحمي الحرة دون سواها، وهذا والله لهو الإلحاد في دين الله، والجهل عين الجهل.
رحم الله الشيخ الألباني أبت عليه نفسه ذلك لكن عقله أخطأه أيضاً، فذكر مثلما ذكر أدم من أن الإسلام الذي سواى بين الحر والرق في كل الفرائض وفي كل العبادات ما كان ليأتي بمثل هذه تفرقه، حتى وقف أمام الآثار الصحيحة عن عمر مقراً بصحتها ثم نقل عن بن حزم قوله "ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم" ومن ثم انتقد رأي بن تيمية :"الحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه؛ أن الحرة تحتجب والأمة تبرز"، فاجتهد أمره في رد تلك الآثار فأكثرها – عنده – تعود إلى رجال غير ثقات وعدد في ذلك الحجج ومنها:
 أن ابن كعب القرظي -واسمه محمد- تابعي لم يدرك عصر النبوة فهو مرسل. وأن ابن أبي سبرة وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة ضعيف جدًّا - قال الحافظ عنه في "التقريب":رموه بالوضع" . وضعف محمد بن عمر وهو الواقدي وهو مشهور بذلك عند المحدثين بل هو متهم.
وفي معنى هذه الرواية روايات أخرى أوردها السيوطي في "الدر المنثور" وبعضها عند ابن جرير وغيره وكلها مرسلة لا تصح؛ لأن منتهاها إلى أبي مالك وأبي صالح والكلبي ومعاوية بن قرة والحسن البصري ولم يأت شيء منها مسندًا فلا يحتج بها ولا سيما أن ظاهرها مما لا تقبله الشريعة المطهرة ولا العقول النيرة؛ لأنها توهم أن الله تعالى أقر إماء المسلمين -وفيهن مسلمات قطعًا- على حالهن من ترك التستر ولم يأمرهن بالجلباب ليدفعن به إيذاء المنافقين لهن.. "كتاب حجاب المرأة المسلمة".
ولعمري لقد كان عقل وبصيرة الألبناني نيرة حقاً، فسوى بين الحرة والأمة في الحجاب، متفقاً في ذلك مع بن حزم الظاهري ومخالفاً لابن تيمية، ولكن ما اجتهد الألباني فيه أمره لم يكن كافياً فالآثار في ذلك صحيحة بالقطع والدلالة بلغت في حد التواتر المعنوي، ناهيك عن الإحماع القديم، فمثلاً خبر زواج النبي بالسيدة صفية بنت حيي، حيث حدث الصحابة رضوان الله عليهم بعضهم فتسائل فريق منهم: ما ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد؟ فقال الفريق الآخر: إن يحجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما أراد أن يركب حجبها حتى قعدت على عجز البعير فعرفوا أنه تزوجها "، وإجماعهم على أن الأمة تصلي بغير خمار وفي ذلك ما يزيد على خمسة عشر أثراً يرويها الثقات عن صحابة رسول الله، بل كراهة بعضهم الخمار للأمة كما جاء في الأثر قال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثنا يونس بن يزيد قال : وسألناه يعني : الزهري - : هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال : عليها الخمار إن كانت متزوجة ، وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر إلا محصنات.

أدم يتفهم موقف الألباني من كونه أراد المساواة متجاهلاً نصوصاً هو إمام الناس فيها صحة وضعفاً، فالألباني وإن تأخر إلا أنه ليس بمعزل عن تلك الثقافة حتى أن أدم يجزم بأنه لو مرت على باله مارة بأن الخمار ليس فرض لأقر ولم يكابر، ويكفيه أنه لم يتنطع كبعض الفقهاء الأنجاس اللذين قالوا بجواز نظر الأجنبي إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثدييها وأن عورتها للأجنبي كعورة الرجل للرجل، في ذات الوقت الذي لا يقرون لزوجاتهم وبناتهم أن تسفر عن وجهها أبداً اللهم إلا عيناً واحدة !!

ولكن الناظر المتحقق السوي يرى أن الإسلام بريء مما حمله به هؤلاء، فإن آية الجلباب لم تفرض حكماً وإنما تنصح رأياً تعالج به أمراض المجتمع بأعراف المجتمع نفسه، وأن الآية كان خطة حل على مرحلتين، مرحلة حل جزئي سريع، وهو أن تدني الحرائر جلابيبها، على طريقة القاعدة المنطقية، تدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى، أي مفسدت التحرش بكل النساء، إلى مفسدة التحرش بجزء منهن، ثم تأتي مرحلة الحل الجذري التي قد تصل إلى نفي كل من تسول نفسه أن يفعل ذلك بحرة أو أمة إلى خارج مدينة رسول الله فتقول الآية التي تلي آية الجلباب مباشرة " لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا - 60- مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا 61.

وبالفعل بعد نزول الآيات لم تضر أمة أو حرة من منافق حتى أتى أولئك اللذين أقاموا على الحرة حجراً فأذوها وعروا الأمة فأذوها أيضاً، فلعنة الله على كل نفس مريضه.

أما حديث الوجه والكفين فقد كفى بمطاعن المتطرفين الموجبين للنقاب في إسقاط الاحتجاج به مئونة كل باحث، فهو ضعيف من كل طرقه، فمن طريق بن دريك مرسلاً عوضاً فإبن دريك لم يحضر السيدة عائشة، وفيه أيضاً سعيد بن بشير وهو ضعيف الحديث، ومن طريق آخر علته أبو هليعة وهو ثقة لا يؤخذ بحديثه لأن ما كتبه احترق فصار يحدث من ذاكرته فخلط، ومن طريق يروى عن عائشة ومن طريق يروى عن أم سلمة.

وإنك لو وضعت السند جانباً وسلمت بصحته على قول الألباني، جاءك التضارب في الحكم فتارة يروى بلفظ "أن المرأة إذا حاضت .."، وأخرى "أن الجارية إذا حاضت .."، وهذان حكمان مختلفان فلو صح الأول وهو حكم عام على إطلاق جنس المرأة، أبطل فعل الصحابة وإجماع التابعين في اختصاص الخمار بالحرائر دون الإماء، ولو صح الآخر وهو حكم خاص بالجواري، أبطله أيضاً ما أبطل الأول من فعل الصحابة، إضافة إلى أن الحكم وقتها لا ليكن ملزماً للحرائر.

وخلاصة القول أن هذا الحديث – إن صح - فقطعاً كان قبل آية الجلباب، وقطعاً لا يثبت به حكماً أو فرضاً، لأنه لو كان "عدم الصلاح" تحمل معنى الوجوب، فلماذا تنزل الآيات بعدها ؟! أيوجب النبي تغطية الجيب، لينزل بعدها القرآن يوجب الواجب ؟! ما لهم كيف يحكمون ؟!

فهل لك أن تتكلف فيصح عندك السند، ثم تنتقي أي المتنين شئت، ثم تتأول عدم الصلاح على الوجوب، ثم تحمل الحديث من زمن لآخر ؟! بالله لو أحدث فإن ذلك لهو تحريف الكلم عن مواضعه

(1)


وصل أدم إلى رأي ظنه فصلاً، فما الخمار من الدين ولا أي ثياب على أي شكل، إنما الدين في الحشمة والسترة والعفاف على المرأة وعلى الرجل، على الحرة وعلى الأمة، فما الشريعة طبقية ولا الإسلام عنصري.

(2)

ولكن يا حبيبتي يبقى في نفسي من ذلك العربي شيء، فلو كنت قد قلت ما قلت عن عدم الفرضية وحريتك في الأمر، إلا أنني لم أعد أرى الخمار قيداً يا بيسانتي، بل آراه الآن تاجاً على الرأس تمتاز به الحرة عن غيرها، والعربية عمن سواها، تذكرين يا حبيبتي يوماً بما خبرتك من رغبتي في أن أخرج إلى الشارع معمم الرأس، هل تذكرين ؟! ذلك لأني رأيت فيها ما أرى الآن في خمارك، ووالله لولا أن المجتمع يأبى عليَّ ذلك لفعلت، ووالله لو أن المجتمع يفهم الخمار والستر والحشمة كما أفهمهم الآن ما حسرت رأس امرأة أبداً وما تبرجت إحداهن قط.

حبيبتي لا آمرك ولا أنهاك ولكن ما أتمناه عليك، هو أن أراك دوماً في صورة العذارء على جدران كنيسة القيامة مختمرةً تنزيهاً وتقديساً، فتكوني يا بيسان مريمي.

(3)

بيسان لم تخلع خمارها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق